كازانوفا... داخل الأسطورة... خارج الخرافة..كازانوفا العالق بصنارة الذاكرة الجمعية كرمز لغراميات لا تنتهي.. وحيث تنزلق الخرافة إلى جوار الحقيقة تنسج الأسطورة, هكذا تحول كازانوفا إلى أسطورة في حكم الخيال رغم أنه رجل واقعي من لحم ودم عاش في رحاب القرن الثامن عشر في أوروبا, لمع نجمه كواقع حي إلى جانب ماركيز دي ساد.. فولتير, موزار.. غوته.. فيفالدي..
[size=16]
[size=16]وإذا كان دي ساد شهيرا في مجال التسلط والكراهية ولخص فلسفته في تسجيل الجرائم تسجيلا حسابيا باردا مثال
المقتولون قبل أول آذار /10/ ومنذ أول آذار /20/ الراحلون /16/ المجموع 46) فإن كازانوفا نافسه بالحمية ذاتها لكن في مجال آخر وتربع على عرش الملذات وكان شعاره: (كل النساء كل الملذات أو لا شيء..) وإذا كان شعار دي ساد: (البطش بجميع الضحايا) فإن شعار كازانوفا: (البطش بجميع النساء)?! [size=16]في المؤلف الشائق للفرنسي فيليب سولير سيكتشف القارىء ما هو أكثر إثارة بشأن كازانوفا غير أنه كان ( نسونجيا), فهو كان أديبا والدليل مذكراته (قصة حياتي) التي نشرت عدة مرات لكنها لم تسلم من مقص الرقيب حتى ظهرت طبعة النص الأصلي عام 1960 في ثلاثة مجلدات ليعاد اكتشاف شخصية كازانوفا: ( بسيط, مباشر, شجاع, مثقف, فاتن, مضحك, إنه فيلسسوف قيد الحركة والفعل) هكذا وصفه فيليب سولير إثر قراءته للمذكرات. عبر الكتاب سيتأكد لنا تمكن المؤلف من ملاحقة شخصية ساحرة مثل كازانوفا حيث يحدد لنا ملامح بطله بطريقة مبتكرة عفوية بعيدا عن اللهجة التقريرية المعتادة في هذا النوع من الكتب.
[size=16]هو كازانوفا دوسينغالت (جياكومو) ولد في فينيسيا وعاش بين عامي (1725-1798) متنقلا بين معظم عواصم أوروبا, في الثلاثين من عمره اتهم بالإلحاد وحكم عليه بالسجن مدة ثلاث سنوات لكنه هرب من السجن بعد حوالى خمسة عشر شهرا لتبدأ حكايته النادرة مع المغامرة واحتكاكه المباشر مع بلاط فرنسا- لويس الخامس عشر- وحين ولى شبابه قضى ثلاثة عشر عاما في براغ في قصر دوشكوف حيث عمل أمينا للمكتبة وحيث دون مخطوطة ( قصة حياتي)..
[size=16]سندهش حين يحدثنا عن طفولته وحين نعلم أنه كان غبيا, شاحب الوجه, كئيبا يعيش منطويا على نفسه ولا أحد يكلمه, كانوا يظنون بأن وجوده (عابر لن يطول) حين مات أبوه ورافق أمه وشقيقه مرتحلا عبر طوافة لم يجد ما يبكيه ولم يذرف دمعة واحدة, فيما كان يراقب شقيقه منجرفا مع البكاء كان هو يحدث نفسه:
[size=16](ما المأساوي في هذا?) ويذكر: كانت هيئتي توحي بالبلاهة, فاغر الفم باستمرار, كلما علق على شيء جاء تعليقه غبيا لحد يجعل أمه تتنهد يأسا منه: ( قليلون هم الذين يحسون مثلما الأرض بأنهم يدورون حول الشمس, وقليلون جدا هم الذين يدور في أذهانهم التفكير ويرون بأن أمهاتهم غبيات!).
[size=16]في مطلع شبابه رفض أن يصبح رجل دين ولا محاميا ولا طبيبا فهو لديه (نفور لا يقهر) من دراسة القوانين: (العائلات التي تدمرها الدعاوى القضائية أكبر عددا من تلك التي تنقذها وأولئك الذين يموتون صرعى الأطباء أكبر عددا من الذين يشفون والخلاصة.. الدنيا ستكون أقل شقاء لولا وجود هذين الصنفين الرديئىن).
[size=16]بعد الثلاثين تفتحت شخصيته وتفتقت مواهبه الدفينة في الحب والتحايل والدهاء حيث عمل في باريس مشرفا على اليانصيب ومارس هواياته على الملأ.
[size=16]مع ملاحقة خيوط شخصيته سنعرف عنه بأنه: يكره الحماقة والتعصب الأعمى, ومن مقرراته الشهيرة بأن (الحب مرض أو لعبة مخملية أو.. قوي كما المنية.. والورع علاجه السخرية?!).
[size=16]تحت إشراف مدام يومبادور -عشيقة لويس- أدار طاولات القمار وقبل الربح والخسارة وكل ما يهمه الجمال: ( لاشيء في الوجود مارس علي في يوم من الأيام سلطانه الطاغي مثلما فعل على الدوام وجه جميل لامرأة) يقول: (ما هو الجمال.. لا أحد يعلم عنه شيئا وإنما تعلمه عن ظهر قلب).
[size=16]في فيينا أصابه عسر هضم وأصر أحد الأطباء على أن يفصده لكن كازانوفا استجمع ما يكفي من القوة كي يتناول أحد مسدسه من على الطاولة الصغيرة قرب السرير, وها هو يطلق النار على الطبيب ويشفي نفسه عن طريق شرب الماء لا غير.
[size=16]مارس السحر والشعوذة وتحايل على أشهر دوقات وماركيزات وأمراء أوروبا.. يبرر ذلك: (كل فرد في هذه الدنيا يصنع أسلحة لا بنية القتل وإنما لمنع الآخرين من قتله) وعن الكتابة يقول: الكتابة بحد ذاتها ذات طابع شيطاني ومن ينكب النهار بطوله على الكتابة إنما يقوم بعمل سحري..
[size=16]في لندن في منتصف الثلاثينيات من عمره كانت له محاولة انتحار فاشلة تحدث عنها فيما بعد بشفافية نادرة, ببساطة يمكننا تلخيص موقف كازانوفا بهذه الصيغة: الموت ولا التحول إلى خروف?!.
[size=16]بالتأكيد صاغ عبقريته الخاصة ذلك الشاب الذي بدأ كعازف كمنجة في فينيسيا ومر على أكثر من بلاط وأكثر من سجن (فينيسيا- مدريد) وكان له نشاطه الجاسوسي وأنشأ مجلة شهرية كان يحررها بمفرده واشتغل بالاستثمار المسرحي وعمل سكرتيرا لدى دبلوماسي في جنوا وبسبب مقالة انتقادية نفي إلى ترسيتا عام 1783 وبعدها جال في أوروبا- كان في الثامنة والخمسين من عمره- عارضا مشاريعه الخيالية على الأثرياء والملوك والأمراء, لكن جميع مشاريعه غير ممكنة التحقيق: (إنشاء صحيفة, حملة على مدغشقر, حفر قناة).
[size=16]في مذكراته يعترف: ( أجد بأن حياتي كانت أقرب إلى السعادة منها إلى التعاسة, أشكر الله على هذا.. لا أعلم كيف لي بتهنئة نفسي على جميع تلك الترتيبات المتوافقة).
[size=16]الكتاب: كازانوفا الرائع
[size=16]الكاتب: فيليب سولير - ترجمة سلمان حرفوش
[/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size][/size]
الثلاثاء أبريل 01, 2008 2:57 pm
